هل بدأت إيران بدمج ميليشياتها مع الجيش السوري؟

يرجح مراقبون للنشاط العسكري الإيراني في سوريا وجود رابط بين الاتفاق الذي توصلت إليه إيران والسعودية برعاية صينية بما ينص عليه من وقف تسليح الحوثيين في اليمن، وبعض التغيّرات التي طرأت على مشهد الانتشار العسكري الإيراني في سوريا مؤخراً، والتي شكّل عزل قائد الميليشيات الإيرانية في مدينة البوكمال الحدودية بين سوريا والعراق، الحاج عسكر، نقطة الانطلاق الفعلية لها.
وأشار المراقبون إلى أن انعكاسات الاتفاق الإيراني – السعودي قد تكون أوسع، ومن غير المستبعد أن تكون لسوريا حصة من هذا الاتفاق وهو ما تجلى عملياً في ناحيتين: الأولى تمثلت في اتخاذ قيادة “الحرس الثوري” الإيراني قراراً تزامن مع مفاوضات الاتفاق بإجراء تغييرات على قيادة ميليشياتها في سوريا.
والثانية أخذت شكلاً سياسياً تولى الرئيس السوري بشار الأسد التعبير عنه بالتغزل بالمملكة العربية السعودية في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام روسية، في ختام زيارته إلى موسكو التي استمرت لثلاثة أيام.
وقال الأسد إن “سوريا لم تَعُد ساحة صراع سعودي – إيراني مثلما كان الوضع في بعض المراحل ومن قِبَل بعض الجهات”، مضيفاً أن “السعودية اتّخذت منحىً مختلفاً تجاه سوريا منذ سنوات عدّة، ولم تتدخّل في الشؤون الداخلية لسوريا كما أنها لم تدعم أيّاً من الفصائل”.
وأشار في تقرير سابق إلى أن النفوذ الإيراني في سوريا لم يعد نقطة خلافية مع الرياض، وأن ذلك جاء نتيجة الوساطة التي تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة لإذابة الجليد بين دمشق والرياض.
وما عزّز احتمال أن تكون إيران قد بدأت بالفعل بمراعاة الضرورات السورية لإعادة علاقاتها العربية بالتزامن مع الانفراج بين طهران والرياض، هو ما برز على الأرض من تغييرات جذرية في بعض الميليشيات التي تتبع لقيادة “الحرس الثوري” الإيراني لكنها مشكلة من عناصر محليين.
وزارة الدفاع السورية تنظِّم ميليشيات إيرانية
يأتي قيام وزارة الدفاع السورية بمدّ صلاحياتها التنظيمية إلى واحدة من أهم الميليشيات الإيرانية، هي فوج التدخل السريع، عبر تعيين ضباط سوريين للإشراف عليها، بمثابة دليل على وجود نهج مختلف في التنسيق العسكري بين إيران وسوريا، قد يكون الوجه الجديد له، العمل على دمج هذه الميليشيات ضمن وحدات الجيش السوري.
و أعادت قيادة “فوج التدخل السريع”، المشكلة من قبل “الحرس الثوري” الإيراني في محافظة حمص وسط سوريا، تنظيم تحركات قواتها في سوريا، عقب استبدال القائد الإيراني المسؤول عن الفوج مطلع العام الحالي.
وقامت وزارة الدفاع بفرز عدد من الضباط برتب عسكرية تبدأ من رتبة ملازم أول، ليتسلموا قيادة نقاط الحراسة التابعة للقوات الإيرانية في المناطق التي تنتشر بها قوات الفوج.
وقال التقرير إن التعديلات شملت بعض التغييرات على نظام عمل الفوج الذي كان يقوده جنرال إيراني يحمل اسم “الحاج عسكر”، لكن التعديلات جاءت بقرار من وزارة دفاع النظام السوري، للمرة الأولى منذ تأسيسه عام 2013.
وعن مصير الحاج عسكر الذي عُزل من منصبه في قيادة “الحرس الثوري” الإيراني في مدينة البوكمال، نقل التقرير عن مصادر ضمن “الفوج” أن الحاج عسكر أنهى عمله في سوريا وعاد إلى إيران، ونُقلت قيادة المجموعة إلى شخصيات جديدة تحمل الجنسية اللبناينة، قادمة من معسكرات “حزب الله” في لبنان.
فوج التدخل السريع
يقع المقر الرئيسي لـ”فوج التدخل السريع” على مدخل بلدة بسيرين، بالقرب من الأوتوستراد الدولي M5، ويتوسط الطريق الرئيسي بين مركز محافظة حماة ومدينة الرستن شمال حمص، ويتبع إدارياً بشكل كامل لـ”اللواء 47″ المشكل من قبل إيران في سوريا العام 2013.
وتأسس الفصيل العسكري دعماً لقوات النظام ضد فصائل المعارضة السورية في العام نفسه الذي أطلق فيه “اللواء 47″، وكان يحمل اسم “لواء الرضا” في بداية تأسيسه.
وتركز مقاتلو هذا الفصيل العسكري على جبهات أرياف حمص الشمالية والشرقية، وفي محيط مدينة تدمر على وجه الخصوص.
ويبلغ العدد التقديري لعناصر “الفوج” بحسب المصادر العاملة في الفصيل، حوالى 4000 مقاتل، ويتحدر معظمهم من محافظات حمص، وحماة، ودمشق، والساحل السوري، ويقوده المرشح السابق لعضوية مجلس الشعب الحاج خيرالله عبد الباري، إلى جانب ابنه الحاج خالد عبد الباري، وهما من أبناء مدينة الرستن، وذلك بعد دورات عسكرية أجرياها في إيران.
دمج أم تخلص من الفاسدين؟
على الرغم من أهمية المؤشرات التي تدل إلى قيام وزارة الدفاع السورية بمدّ صلاحياتها نحو ميليشيات إيرانية، لا يزال من الصعب التكهّن بالغاية الحقيقية وراء التغيرات التي تحصل في بعض هذه الميليشيات، وما إذا كانت بداية فعلية للقيام بدمج الميليشيات المحلية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني بوحدات الجيش السوري أم أنها قد تكون مجرد خطوة للتخلص من فساد بعض أمراء الحرب خصوصاً أن الحاج خيرالله عبد الباري قائد فوج التدخل السريع يعتبر من أبرز الوجوه التي طاولتها الانتقادات في السنوات الأخيرة.
وكانت صفحة على “فايسبوك” باسم لونا الشبل المستشارة الخاصة للرئيس السوري، قد ذكرت في منشور يعود إلى عام 2020 أنه “سيتم فتح تحقيق مع تجار الدم في حماه: خيرالله عبد الباري شعيلة قائد فوج يعمل مع الأصدقاء الإيرانيين وولديه خالد خيرالله شعيلة ومحمد خيرالله شعيلة، وذلك بتهمة التعامل مع “داعش” أثناء دخولهم إلى سجن تدمر المركزي وكانوا على إتصال مباشر مع التنظيم”.
ويضيف المنشور: “أما خالد فهو متهم ببيع الذخيرة والتعدي على الناس من خلال استغلال عناصر والده. أما الأبن محمد فهو يدير عمليات الثراء الفاحش لوالده في حمص وحماه”.
ورغم أن الشبل نفت مراراً أن تكون لها أي صفحة أو حساب على وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الحساب على فايسبوك يحظى بمتابعة قوية من السوريين، وسبق له الانفراد بنشر معلومات ثبتت صحتها في ما بعد.
المصدر : النهار العربي